سيلفيا كاتوري

Français    English    Italiano    Español    Deutsch    عربي    русский    Português

د. ناديا خوست
من المسؤول عن الجرائم في سورية؟

منذ سنة فقط كان السوريون يعيشون في أمان. كنا نجهل أنواع الأسلحة التي تعرض الآن كلما صادرها الجيش السوري في مخابئ العصابات، أو خلال تسللها من تركيا ولبنان. لم نكن رأينا القاذفات، وبومبوشكين، والقناّصات، والروسية، والقنابل الصوتية ومضادات الدروع والمسدسات وأجهزة الاتصال الخاصة بالتجسس والمناظير الليلية والعبوات الناسفة، والسترات المضادة للرصاص. وهانحن نعرف أن الموت يمكن أن يعبأ في جرّات الغاز وتنكات الزيت! وأن أيا منا يمكن أن يقتل في انفجار، أو خلال ملاحقة عصابة، أو عندما يوضع اسمه في قائمة الاغتيالات! ومع ذلك لايريد مجلس حقوق الإنسان في جنيف أن يعرف أن مايحدث في سورية هو اغتيال أمننا وإلغاء ايقاع حياتنا، فيبحث بين الضحايا عن المتهمين! أما نحن الذين نعيش في سورية، لافي حضن غربي، فنعرف الحقيقة التي يتجاهلها الغرب ومؤسساته "الإنسانية".

14 آذار (مارس) 2012

أمامنا صورتان: الاولى عرضها التلفزيون السوري مرة فقط: أسرة في حي بابا عمرو، قرب طاولة عليها صحون الطعام. أمّ وأب وأطفال وأعمام، كلهم قتلى. وعلى الجدار كتب القتلة بدماء الضحايا اسم كتيبة الموت التي نفذت الجريمة. والصورة الثانية رسمتها سيدة تسكن في دوما، إحدى ضواحي دمشق: وضع المسلحون في ساحة البلدة شابا مقيدا سددوا عليه رشاشاتهم، وألزموا السكان بالفرجة على قتله. وكرروا في اليوم التالي قتل شباب آخرين بالطريقة نفسها. في الوقت نفسه قصف أيمن وفهد عربيني كنيسة عربين والمعهد الشرعي بقذائف ر ب ج، وكان معهما زاهر قويدر من "القاعدة". حدثت تلك الجرائم في مناطق كانت تسيطر عليها العصابات المسلحة. فما هو المشروع الذي يقع فيه هذا الإرهاب، ومن المسؤول عن هذه الجرائم؟
روى أحد القتلة الذين اعتقلوا في بابا عمرو، كما يروي قصة، أنه قتل وخطف واغتصب نساء. وأن شيوخ المجلس العسكري أفتوا له أن القتل والاغتصاب شرعي. لاعجب! فشيوخ السعودية الوهابيون، الذين يدعون من منابر جوامعهم إلى الجهاد ضد الدولة السورية، والقرضاوي شيخ قناة الجزيرة، يفتون بقتل العلوي والمسيحي والدرزي، والسني الذي يوالي الدولة. تتناول العصابات المسلحة مع تلك الفتاوى المال القطري والسعودي والسلاح وحبوب المخدرات التي يصادر الجيش السوري الكثير منها مع الأسلحة. (من المصادرات في بابا عمرو عملات غربية وإسرائيلية، وجوازات سفر متنوعة أحدها "جواز سفر إلى الجنة"، وأسلحة غربية وإسرائيلية، وأجهزة اتصالات متطورة). لايعرف اولئك الشيوخ وصية عمر بن الخطاب في أول الإسلام: لاتقتلوا امرأة ولاطفلا ولاشيخا، ولاتقطعوا شجرة، واتركوا الرهبان في صوامعهم!

ربما تفسر لنا تلك الفتاوى لماذا حكى رجل من تلك العصابات في مساء 7/3/2012 دون وجع ودون ندم: أنه قتل خمسين رجلا، واغتصب عشرات النساء. يُسمى ذلك في العرف استباحة. وقد استباحت العصابات أموال من قتلتهم ونساءهم، وسطت على المؤسسات العامة، وسرقت سيارات الإسعاف وسيارات البلديات والسيارات الخاصة. في الأمس شكا أهل حمص من قناص استباح الطرقات التي يسيطر عليها من سطح بناء. من القتلى الطفل مالك الأكتع. وظيفة هذا الإرهاب؟ كسر المجتمع السوري، وإنزال الخسائر بالجيش، وتقطيع سورية، وشلّ الإنتاج الزراعي والصناعي والحرفي: تدمير بنية الدولة. وقد منعت العصابات، في المناطق التي سيطرت عليها، الأطفال من ارتياد المدارس، ومنعت الطلاب من امتحانات الجامعات، وقتلت العمال في الطريق إلى معاملهم، ومنعت الفلاحين من زراعة حقولهم، ومنعت تزويد محطات توليد الكهرباء بالوقود، واغتالت بعض رجال الأعمال، وبعض الأساتذة الجامعيين، دمرت الحياة حيثما سيطرت! في 11/3/2012 خطفت السياسي مصباح الشعار في حمص، واغتالت بطل الملاكمة غياث طيفور في حلب، ، وكانت قد اغتالت قبل ذلك بطلا من أبطال السباحة، ونسفت جسرا في منطقة الغاب.

سجل تقرير لجنة المراقبين العرب الذي زار مواقع الأحداث وضحاياها، أن بروتوكول الجامعة العربية، الذي وجهها إلى سورية، لم يذكر العصابات المسلحة. وأن تلك العصابات تهاجم المدنيين والمؤسسات العامة والخاصة، وتضطر الجيش النظامي للرد عليها. تمنّت الجامعة العربية التي تديرها اليوم قطر والسعودية، أن ترفض سورية استقبال لجنة المراقبين. ثم تمنّت أن يكتبوا تقريرا يقع في سياق خطتها لتشريع التدخل العسكري. لكن هول الجرائم، وحرارة تعبير الضحايا عن وجعهم، ووعي السوريين الرفيع، سهّل على ذوي الضمير المهني في لجنة المراقبين نقل الحقيقة. لذلك أهملت الجامعة العربية التقرير، وفرضت استقالة رئيس لجنة المراقبين، الشهم الذي رفض شيكا مفتوحا قدمته له قطر.

لماذا لم يعتمد السياسيون الغربيون والمؤسسات الدولية التي يديرونها، تقرير لجنة المراقبين مع أنه أتى من موقع الأحداث، وسجله مختصون أمنيون وعسكريون؟ اعتمدوا مايلفّقه مرصد حقوق الإنسان في لندن الذي يقوم به شخص واحد من الإخوان المسلمين يؤلف لهم معلومات يطلبونها.

ليست المشكلة إذن أن السياسيين الغربيين الذين يديرون الحرب على سورية لايعرفون من يرتكب الجرائم ويستبيح حقوق الإنسان. بل المشكلة أنهم ينفذون ستراتيجية ترسم تدمير الدولة السورية. وأن السياسيين الاوروبيين أصبحوا تابعين عميان للمشروع الأمريكي الصهيوني! وقد أنجز ساركوزي وليفي إلغاء سياسة فرنسا "العربية" التي وضعها ديغول. لانتذكر ديغول عندما نسمع جوبيه، بل نتذكر اوليفا روجيه الذي أمر بقصف دمشق. لذلك يبدو لنا أن رسالة السيد لولان إلى جوبيه، التي ذكّرته بأن الحرب على سورية لاتقع في المصالح الفرنسية، أوحت أيضا بأن كرامة فرنسا تفترض ألا تكون أجيرة في مشروع أمريكي صهيوني.

لنضع إذن جانبا المفردات التي لاتؤدي معانيها: حقوق الإنسان، الثوار، الجيش السوري الحر، الدفاع عن المدنيين السوريين! فالسياسيون الغربيون يعرفون أن "الثورات" تفترض برنامجا سياسيا وطنيا، وأنها قضية رجال كبار ومفكرين وشعراء، قضية مؤسسة على الولاء الوطني، تنبت من أرضها لابقرار خارجي. وبما أن تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي مثقل بحروب العدوان الإسرائيلية، فمن أول مبادئ الثوار الوطنيين ألا يتناولوا مساعدات إسرائيلية وأسلحة إسرائيلية. وأن يلتزموا بالثوابت القومية التي تفرض عليهم ألا ينسوا أن العدو ليس الطائفة الأخرى، بل إسرائيل المحتلة والاستعمار الغربي الذي يحرس أمن إسرائيل ويستخف بالأمن العربي. يعرف السياسيون الغربيون هذه الحقائق! لكنهم ينغمسون في تفكيك البلاد العربية وحصار ايران، ويصل مشروعهم إلى روسيا والصين وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة. وقد خرقوا القانون الدولي، فتسلل رجال مخابراتهم إلى حمص، وأداروا الحرب من "أمارة بابا عمرو الإسلامية" مع العصابات السلفية، و"القاعدة". وسعوا ثلاث مرات متتالية إلى قرار من مجلس الأمن يبيح التدخل في سورية. ولم يستحق اهتمامهم أن الطائرات الإسرائيلية تقصف غزة، وأنها قتلت في يوم 10/3/2012 ثمانية عشر إنسانا وطفلا، وأن المستوطنين الإسرائيليين يخرّبون الآثار الإسلامية والمسيحية الفلسطينية، ويهوّدون القدس التاريخية.
تتيح لنا هذه المآسي الاستنتاج أن السياسة الغربية لاتجسّد فقط الانحطاط الأخلاقي باعتمادها الكذب والتلفيق، بل تجسّد أيضا الانحطاط السياسي والعمى الفكري. فهي تتآمر على سورية التي تتميز بنسيج مدني تتداخل فيه الطوائف والمذاهب والقوميات في وحدة وطنية، وبأمان قلّ مثيله حتى في الغرب، وبثقافة إنسانية تعتز بما قدمته الثورات الكبرى للبشرية، وتترجم الآداب العالمية، وتسمع الموسيقى الكلاسيكية، كما تسمع الموسيقى المحلية، وتشارك نساؤها في الحياة الإنتاجية والعامة، ويسعى شعبها إلى تغيير الواقع بأفضل منه. تستخدم السياسة الغربية في عدوانها الديبلوماسية والإعلام والمنظمات الدولية والأسلحة المتطورة. وتعتمد الأنظمة الاستبدادية التي تفتقر إلى دساتير ومجالس نيابية وتؤجر أراضيها للقواعد العسكرية الأمريكية وتقتل المتظاهرين: في البحرين وفي القطيف السعودية.

بم نفسر تعاون الغرب مع مقاتلي "القاعدة" المسجلين على "قائمة الإرهاب" العالمية، التي تموّلهم قطر والسعودية، في الحرب على سورية؟ بم نفسر تجاهل الغرب موقف المسيحيين السوريين الذين يتقدمون المجتمع في الدفاع عن اللحمة الاجتماعية ويدينون المؤامرة الغربية الصهيونية؟ ولماذا لايصغي الغرب للراعي الماروني في لبنان، بل يدرب العصابات التكفيرية التي تقتل المسيحيين السوريين، وتهاجم أديرتهم وكنائسهم التي يحترمها المسلمون ويقدمون لها النذور؟ أعلن الظواهري أن القاعدة نفذت عمليات دمشق وحلب. وتشهد التقارير على لقاء أجهزة الاستخبارات الفرنسية والبريطانية برجال القاعدة الليبيين. وقد عرف السوريون أن رجال المخابرات الفرنسية والبريطانية كانوا في بابا عمرو مع عصابات القاعدة. ومنّوا أنفسهم بعرض اولئك المتسللين الأجانب على الشاشات، ليبرّدوا غضبهم من تطاول الغرب الاستعماري على الكرامة السورية. لكن الحكمة السورية فضّلت السيطرة على بؤرة بابا عمرو، على متعة ذلك العرض. سلّم مئات من المسلحين أنفسهم للجيش السوري عندما سحب الغطاء الغربي عنهم. وأكد هذا مسؤولية الغرب عن الجرائم التي يرتكبها المسلحون. وهي ليست فقط القتل والخطف، بل تدمير البنية التحتية السورية التي دفع الشعب ثمنها: نسف أنابيب النفط والغاز وأبراج الكهرباء ومحطات الماء، وإحراق المدارس وتدمير المشافي، ونهب المؤسسات العامة. نؤكد إذن: أن الغرب غير معني بالمسيحيين والعدوان على الكنائس والأديرة. لأن المسيحيين وطنيون يرفضون التدخل الخارجي ويدينون المؤامرة الغربية الصهيونية. ولايخفى عليهم أن "الثوار" عصابات من المجرمين، وأن العقوبات الاوروبية تقصد الانتقام من الشعب السوري وهم جزء أصيل منه! ترى ألا تصل هذه الحقائق إلى وزارات الخارجية الغربية؟!

على كل حال، من تعليمات المعارضة المرتبطة بالخارج: "لاتتفرجوا على التلفزيون السوري، ولاعلى تلفزيون الدنيا، ولاتصوتوا على الدستور"! يبدو أن السادة جوبيه وكلينتون وكاميرون، هم أيضا، لايريدون أن يروا الآلاف من جنائز ضباط الجيش وجنوده الذين قتلتهم العصابات المسلحة، وألا يروا حفاوة أهل القرى بالشهداء. وألا يروا ملايين السوريين الذين ملؤوا الساحات معلنين رأيهم في مؤامرة الغرب الصهيوني على سورية. وألا يروا مستوى الوعي السياسي الرفيع الذي يميز الشعب السوري. وألا يسمعوا تعبير النساء المحجبات والسافرات عن رفض التدخل في الشؤون السورية. لايرون ذلك لأن صاحب الضمير الحي والرأي الحر هو فقط من تهزه الأوجاع الإنسانية، وهو فقط من يقدّر الكرامة الوطنية السورية! وهل يعقل ألاّ يلاحظ الغيور على الديمقراطية أن الدستور السوري الجديد منع تشكيل الأحزاب على أساس ديني أو إثني، وأنه ثبت احترام الحريات الشخصية والدينية؟ وألاّ يلاحظ الحراك الاجتماعي الواسع؟ في أي بلد غير سورية نوقش مشروع الدستور في الندوات والمراكز الثقافية والجامعات والتلفزيون والاجتماعات؟ رأيت مشروع الدستور في أيدي طلاب المدارس والجامعات. وعبر الناس عن آرائهم فيه. وتظاهر أمام مجلس الشعب السياسيون غير الموافقين على مادته الثالثة.

لكن المسألة ليست حقوق الإنسان. فلو كانت حقوق الإنسان هي الدافع، لكان يجب أن يرى جوبيه وكلينتون وكاميرون العدوان المستمر على الشعب الفلسطيني. واستهانة إسرائيل بالقرارات الدولية التي تمنع تهويد الأرض المحتلة وتغيير ملامحها. ولكان يجب أن يدينوا الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في لبنان. وأن يتأملوا انتهاك حقوق الإنسان في ليبيا. ولكان يجب أن يفحص "المجتمع الدولي" تصريحات الرسميين الإسرائيليين الذين يهددون بقصف منشآت ايران النووية، وأن يحاكمهم على التهديد بالحرب. لكن ضاع المنطق! لاتدان إسرائيل التي تملك قنابل نووية وترفض تفتيش منشآتها النووية. وتهدَّد ايران التي لاتملك قنابل نووية ولاترفض تفتيش منشآتها النووية، مع أن هيئة الطاقة الذرية الدولية تسرّب أسماء العلماء الايرانيين فيسهل اغتيالهم.

يلاحظ أن اوباما جلس كالتلميذ المطيع أمام نتنياهو، وأكد حق إسرائيل في أي قرار ترى فيه حماية أمنها، (يمتد أمن إسرائيل حتى مصر وليبيا وايران!) والتزامه بتفوقها العسكري. فرأينا في مستوى الرمز تطابق المشروع الغربي والمشروع الصهيوني. لذلك لايختلف جوبيه عن كلينتون، بالرغم من عنجهيته التي تذكّرنا بمندوب سام من الفترة الاستعمارية. في هذا السياق كشفت المواقف من أحداث سورية الاختراق الصهيوني في الحزب الشيوعي الفرنسي، وفي الحزب الاشتراكي. أليس من السخرية أن يقول برنار هنري ليفي الصهيوني إنه اشتراكي! وأن يذكر ماركس في كتابه عن المهمات التي قام بها لغزو ليبيا "مخلصا ليهوديته وصهيونيته"! وألا ينتبه الحزب الشيوعي الفرنسي إلى نظام السعودية وقطر والعصابات التكفيرية المستخدمة في الحرب على سورية! يؤسس على هذا أن الغرب لم يعد يقبل أن يكون عملاءه دون علاقة بإسرائيل، وألا يقدموا أمنها على الأمن القومي العربي. لذلك أعلنت بسمة قضماني أن إسرائيل ضرورة! وأكد يعض أعضاء مجلس استنبول أنهم سيقيمون علاقات بإسرائيل. في هذا التطابق يقع التعاون بين المخابرات الإسرائيلية والقطرية والسعودية، وتزود العصابات بالأسلحة الإسرائيلية التي اكتشفت في مخابئ العصابات في ضاحية دوما وفي بابا عمرو. وقد ارتكب المجلس الذي يحتضنه جوبيه وكلينتون مالا يغفره الشعب السوري: سوّغ التدخل الخارجي السياسي والعسكري في سورية، واتصل بإسرائيل والصهيونية. في هذا المناخ، يتهم الغرب الضحايا بالجرائم التي ارتكبتها العصابات التي يرعاها. ولايدهشنا أنه يرى عبد الكريم بلحاج والمهدي حاراتي والظواهري وأمير قطر وملك السعودية "ثوارا" ديمقراطيين، ويمحو من ذاكرته تشي غيفارا ومانوليس غليزوس!

هل يمكن أن تتغير الستراتيجية الغربية كي يتبدد خطر انفجار منطقة الشرق الأوسط؟ بقعة الضوء أن قوى ذات ستراتيجية أخرى، تحاول بقوة ودأب أن تعقلن العلاقات الدولية. وهي قوى اقتصادية كبرى ذات مصالح ورؤية وبنية سياسية. تبيّن كلمة بوتين في مؤتمر الأمن سنة 2007، وكذلك مقالاته الأخيرة، أن روسيا لم تعد البلد الذي انتهكه الغرب بوحشية عندما أسقط الاتحاد السوفييتي. بل هي من مجموعة بريكس المتفقة على صياغة علاقات عالمية جديدة. المجموعة التي ترى فيها كثير من الشعوب خلاصا من استبداد القطب الواحد، ومخرجا من الفوضى وانتهاك القانون الإنساني والدولي. نقرأ الأمل في نداء تيودوراكيس بإشارته إلى روسيا للخروج من الأزمة. فنداؤه "حقيقة مايجري في اليونان"، يكشف أن الستراتيجية التي رسمها بريجنسكي: "لم تعد الأمة - الدولة تصنع التقدم بل البنوك"، يجب أن توضع في صيغة أخرى: البنوك والمصارف تصنع بؤس الشعوب والحروب، وتقتل الهويات الوطنية. ويشهد قول ساركوزي لوفد المجلس الانتقالي الليبي: "يجب أن نعلّم الشعب اليوناني الحياة"، أن البنوك الغربية لاتنهب الشعوب فقط بل تذلها أيضا. فليتنا تبيّنا مبكرا أن روسيا والصين وايران والبرازيل وإفريقية وأمريكا اللاتينية مساحات إنسانية واقتصادية، بديلة عن اوروبا!

وبعد، لم يضِع الدم السوري. فدم الضحايا الذي وقّع به ليبيو القاعدة على جدار أسرة قتلوها "أتينا من مصراته لنحرر سورية"، وخرائب بابا عمرو التي أدارت الحرب فيها المخابرات الفرنسية والبريطانية، رسمت صورة تجمَع "القاعدة"، وشيوخ النفط المستبدين الذين يمنعون المرأة حتى من قيادة السيارة، وعصابات المرتزقة، والسياسيين الغربيين، ورجال الاستخبارات الغربية، وأنظمة قطع الرؤوس السعودية والانتهازية القطرية. لوحة معبرة، لاتبيح لاولئك السياسيين أن يعلّموا السوريين حقوق الإنسان والديمقراطية! بل تفترض محاكمة السياسيين الغربيين والخليجيين الذين برمجوا الجرائم في سورية وموّلوها!

د. ناديا خوست
14.03.2012

http://www.silviacattori.net/article2970.html